المقاتلون بدماء مصر
ينامون فوق صدور الغواني
ويبكون بالشعر عهد الوليد
وتحت المضاجع أشلاء عمر
وأحزان أم وذكرى شهيد
وفي الكأس تبكي بقايا دماء
وأنقاض عطر وأنفاس غيد
ويلقون فوق رؤوس الصغار
ثياب الغواني وخبز العبيد
وفي كل يوم يبيعون شعرا
ويبنى على الشعر قصر جديد
يسيرون بالشعر في كل درب
وفي كل يوم مزاد فريد
تعالوا نقاتل من جوع مصر
ونلقي على الناس حلو القصيد
تعالوا نصافح آلام شعب
ونصرخ بالحزن هل من مزيد؟
تعالوا لنسكر من دمع أرض
ونغتال فيها الزمان السعيد
تعالوا نحطم أحلام مصر
وندفن فيها الصباح الوليد
تعالوا نتاجر في دمع أم
تعالوا نبيع رفات الشهيد
تعالوا لنسخر من حزن ثكلى
على راحتيها شباب شريد
تعالوا لنحرق أزهار عمر
ففي الزهر يرقد حلم جديد
تعالوا ففي مصر سوق العطاء
ومنها ربحنا وفيها المزيد
تعالوا نبيع بعطر الجواري
دموع الصغار ويأس القعيد
تعالوا لنلقى على مصر صبرا
ونغرس فيها هموما تبيد
وهيا لنكتب شعرا جديدا
فما عاد في العمر شيئا يفيد
* * *
وآه إذا الجرح أضحى رخيصا
تباع الدماء بسعر زهيد
وتحت المضاجع أشلاء عمر
وفي الكأس تبكي دماء الشهيد
يصيحون فوق صدور الغواني
يعيدون بالشعر عهد الوليد
ويموت فينا الإنسان
وتركت رأسي فوق صدرك
ثم تاه العمر مني.. في الزحام
فرجعت كالطفل الصغير..
يكابد الآلام في زمن الفطام
و الليل يفلح بالصقيع رؤوسنا
ويبعثر الكلمات منا.. في الظلام
و تلعثمت شفتاك يا أمي.. وخاصمها.. الكلام
ورأيت صوتك يدخل الأعماق يسري.. في شجن
والدمع يجرح مقلتيك على بقايا.. من زمن
قد كان آخر ما سمعت مع الوداع:
الله يا ولدي يبارك خطوتك
الله يا ولدي معك
* * *
وتعانقت أصواتنا بين الدموع
والشمس تجمع في المغيب ضياءها بين الربوع..
والناس حولي يسألون جراحهم
فمتى يكون لنا اللقاء؟
وتردد الأنفاس شيئا من دعاء
ونداء صوتك بين أعماقي يهز الأرض.. يصعد للسماء:
الله يا ولدي معك..
ومضيت يا أمي غريبا في الحياة
كم ظل يجذبني الحنين إليك في وقت الصلاة..
كنا نصليها معا
* * *
أماه..
قد كان أول ما عرفت من الحياة
أن أمنح الناس السلام
لكنني أصبحت يا أمي هنا
وحدي غريبا.. في الزحام..
لا شيء يعرفني ككل الناس يقتلنا الظلام
فالناس لا تدري هنا معنى السلام
يمشون في صمت كأن الأرض ضاقت بالبشر..
والدرب يا أمي.. مليء بالحفر..
وكبرت يا أمي.. وعانقت المنى
وعرفت بعد كل ألوان الهوى..
وتحطمت نبضات قلبي ذات يوم عندما مات الهوى..
ورأيت أن الحب يقتل بعضه
فنظل نعشق.. ثم نحزن.. ثم ننسى ما مضى
و نعود نعشق مثلما كنا ليسحقنا.. الجوى
لكن حبك ظل في قلبي كيانا.. لا يرى
قد ظل في الأعماق يسري في دمي
وأحس نبض عروقه في أعظمي
أماه..
ما عدت أدري كيف ضاع الدرب مني
ما أثقل الأحزان في عمري و ما أشقى التمني..
فالحب يا أمي هنا كأس.. وغانية.. وقصر
الحب يا أمي هنا حفل.. وراقصة.. ومهر
من يا ترى في الدرب يدرك
أن في الحب العطاء
الحب أن تجد الطيور الدفء في حضن.. المساء
الحب أن تحد النجوم الأمن في قلب السماء
الحب أن نحيا و نعشق ما نشاء..
* * *
أماه.. يا أماه
ما أحوج القلب الحزين لدعوة
كم كانت الدعوات تمنحني الأمان
قد صرت يا أمي هنا
رجلا كبيرا ذا مكان
وعرفت يا أمي كبار القوم والسلطان..
لكنني.. ما عدت أشعر أنني إنسان!!
عشقناك يا مصر
حملناك يا مصر بين الحنايا
وبين الضلوع وفوق الجبين
عشقناك صدرا رعانا بدفء
وإن طال فينا زمان الحنين
فلا تحزني من زمان جحود
أذقناك في هموم السنين
تركنا دماءك فوق الطريق
وبين الجوانح همس حزين
عروبتنا هل ترى تنكرين؟
منحناك كل الذي تطلبين
سكبنا الدماء على راحتيك
لنحمي العرين فلا يستكين
وهبناك كل رحيق الحياة
فلم نبق شيئا فهل تذكرين؟!
فيا مصر صبرا على ما رأيت
جفاء الرفاق لشعب أمين
سيبقى نشيدك رغم الجراح
يضيء الطريق على الحائرين
سيبقى عبيرك بيت الغريب
وسيف الضعيف وحلم الحزين
سيبقى شبابك رغم الليالي
ضياء يشع على العالمين
فهيا اخلعي عنك ثوب الهموم
غدا سوف يأتي بما تحلمين...